قالت والدموع فى عينيها: أترانى أخطأت حين وافقت عليه شريكا لحياتى؟..
فأجبتها بثقة: بالطبع لا.. لم يكن هناك خطأ، فقد كان الإختيار على هدى النبى صلى الله عليه وسلم، والمعايير التى وضعها الشرع من الخلق والدين.
أجابتني بحزن شديد: ولكن معيار الخلق والدين كيف نحدده؟، إننا نراه فى بعض الاحيان أداء الصلوات فى المساجد، واذا كان من ضمن هذه الصلوات صلاة الفجر فإننا نعتبر الشخص فى مرتبة عالية من الدين.
أما الخلق فكثيرا ما نلصقه بهاديء الصوت، الحريص على كلماته الطيبة في لقاءات التعارف الأولى، البعيد عن الجدال المائل إلى الموافقة والمرونة، وإذا أتى الخاطب ببعض الهدايا حكمنا له بالجود والكرم.
فأجبتها: نعم أوافقك الرأي، ولا أرى فيما ذكرت سببًا للرفض أوالعتاب على من تقدم للزواج، فكل ما ذكرته يستحق التقدير.
فما كان منها إلا أن قالت: ليس فى ذلك العيب، وإنما العيب أن يقتصر الأمر على ذلك.
ألم يكن خلق النبى صلى الله عليه وسلم هو القرآن؟
لماذا نركزعلى بعض الجوانب ونترك البعض؟
أليس من الخلق ان يتصف الزوج بالغيرة على زوجته؟، أعلم تمامًا أن الغيرة قد تكون قاتلة، ولكن لتعلمى أن ادعاء الثقة الكاملة أيضا قد تكون قاتلة!
وإستطردت في حديثها: إذا أحست المرأة أن زوجها لا يغار عليها مدعيا أنه يثق بها ثقة عمياء، ولا يهتم إذا أخبرته أن شخصا ما مثلا إتصل على هاتفها، أو أن قريبا لها ذكرها بنوع من الإهتمام، أو أن حوارا دار بينها وبين أحد الأشخاص على الإنترنت، هذه اللامبالاة تحت غطاء الثقة قد تشعر المرأة أنها لا تساوي شيئا في حياة زوجها، شيئا مهملا لا قيمة له ولا تقدير.
فتعجبت لهذا الكلام وقلت لها أن الزوج الذى يظفر بذات الدين فقد فاز، وأن هذه الثقة هى التى تجعلك تبدعين فى إدارة حياتك وتقدمين لأبنائك نموذج المرأة المسلمة الصالحة، غير المشغولة بالتبرير المستمر لزوج يتلاعب به الشك، وتتقاذفه هواجس الغيرة.
فأخذت تردد: ولكن قليل من الغيرة يدل على الإهتمام، أما تذكرين غيرة سعد رضى الله عنه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني».
ـ ألم يقل النبى صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: على رسلكما إنها صفية؟
ـ ألم يحذرنا النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان، وكيف أنه يجرى من ابن آدم مجرى الدم؟
ـ ألم يعلمنا هديه الإهتمام بالزوجة والبنات؟، وكيف أن هذا دليل التقدير وطريق الثقة والاعتزاز والكرامة؟
إن الغيرة وقاية من الضعف البشرى عموما، والضعف النسائى خاصة، فإذا كان الزوج المتشكك فتنة لزوجته، فإن الرجل الذي لا يغار يجعلها أكثر عرضة للوساوس، وتلبيس إبليس عليها، والدخول في دوامة من التساؤلات عن سبب هذا الإهمال، وإذا ما كان يرجع إلى إهتمامه بأخريات، أوسلوكه هو نفسه غير المنضبط؟
ومن هنا تدخل في أفكار غير متزنة، من قبيل: بمن يهتم؟ وماهى حوارته على النت؟هل أشك فيه وأتتبع حركاته؟، هل أترك الغيرة عليه تقتلنى أم هل أبادله ثقته الباردة بثقة عمياء، فلا أبالي مثله، حتى أفاجأ بأنني آخر من يعلم، وأن حياتي الزوجيةعرضة لهزات عنيفة؟
وانهمرت الدموع من عينيها وهى تردد: أنا لا أطلب المستحيل، فقط أريد شيئا من الاهتمام.. أريد قليلا من الغيرة!
• طريق إبليس:
أختى المسلمة الفاضلة أحيانا يضيق علينا الطريق.. أحيانا تكون سحابة الغيوم شديدة، بحيث لا نرى الطريق بوضوح.. أحيانا يكون الكلام سهلا ويكون الفعل صعبا.
لذلك علينا أن نقف فى بعض الاوقات وقفة لتصحيح الأمور، وقفة تضىء الدرب، وتعين على السير إلى الله، ولا غنى لنا عن الاستعانة بالله أولا وقبل كل شيء.
ايتها الزوجة المسلمة.. إنك مكرمة عند الله، وغالية عند رسولك بدينك وإيمانك.
أيتها المرأة المسلمة.. لقد كرمك الله وجعل لك شأنا عظيما وحملك الأمانة الغالية ففى صلاحك صلاح الامة.
لذلك إياكى ثم إياكى بعد أن حررك الإسلام، وجعلك الله أمة له وحده سبحانه، أن تُعبّدى نفسك لغير الله حتى ولو لشخص له حق عظيم مثل الزوج.
فما بالك والشيطان الذى لعنه الله وأمرنا أن نتخذه عدوًا يتربص بنا، ويستغل لحظات الضعف فيلقى بالهواجس والشكوك والأفكار المسممة، كأن تحاولي إثارة غيرة زوجك طلبا لإهتمامه وإنتباهه، والتأكد من حبه.. أو أن تقعي أنت في شراك الشك والغيرة الزائدة المقيتة، أو وساوس تلقي في روعك أنه لا يحبك فتشعرين بالنقمة عليه، أغلقى اذنيك ولا تلقى للوساوس بالا وإستعيذى برب الناس.
ثم عليكى بكل ما أوتيتِ من ذكاء ودهاء أنثوى فطرى أن تشركى زوجك وتدخليه معك فى دائرة إهتماماتك، وليكن الحوار بينكما مفتوح دائما.
واعلمى ان الغيرة في المنهج الاسلامى هى الغيرة على حرمات الله، أما إختلاق الأسباب لإثارة المشاعر وإستجداء العواطف فإنما هى خطوات على طريق الشيطان.
وحافظى على الثقة فهى نعمة غالية من الله، فكم من امرأة تتمنى هذه الثقة، ولا تجد في الغيرة إلا دليل الكراهية وعدم التقدير، وليس الحب والاهتمام كما تظنين.
يتفاوت الناس في مشاعر الغيرة بشكل عام، وما دامت محارم الله مصانة، وشرعه في النفس وأهل البيت مقام، فإن تحسس الزوج وتشككه ليس بمنقبة ولا مظنة اهتمام ومحبة، بل في الحقيقة ليس له علاقة بالزوجة وإنما هو إظهار لطبعه، فستجدينه غيورا متحفزا في شأنه كله، متشككًا مائلا لنظرية المؤامرة في نظرته للأمور وتعامله مع الحياة.
لا توقدي في قلب زوجك جذوة الغيرة، فهي كالنار لا يجوز اللعب بها، لا تصدمي ثقته بك، فهو يعتبر الثقة تعبيرا عن المحبة والتقدير، بل إن شدة غيرته ومحبته هي التي تنأى به عما تسميه -قليل من الغيرة-.. فهي بالنسبة له فكرة لا تطاق ولا تحتمل، كثيرها مدمر وقليلها له حكم الكثير.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.